“شوقي كريم” يحاول القبض على معنى وجودي في زمن الخراب العراقي

بلغة يومية تقترب من الحس الشعبي
المراقب العراقي/ المحرر الثقافي…
يرى الناقد الدكتور صالح الطائي، في رواية الكاتب شوقي كريم حسن، نصًا يتجاوز حدود السرد التقليدي، ليقدم للقارئ، تجربة لغوية وفكرية وروحية متشابكة، فرواية “سيبندية” لا تُقرأ من أجل أحداثها أو حبكتها بقدر ما تُقرأ من أجل انغماسها في عالم رمزي متشظٍ، تتداخل فيه الأسئلة الفلسفية مع التجليات الصوفية، وتتكثف فيه اللغة حتى تكاد تتحول إلى شعر، فهذا النص إذن ليس مجرد حكاية، بل محاولة للقبض على معنى وجودي في زمن الخراب العراقي المعاش بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد.
وقال الطائي في قراءة خص بها “المراقب العراقي”، ان “الرواية تتميز بلغة شعرية مكثفة، قائمة على الصور البلاغية والرموز والإيحاءات، ويتخلل النص توتر بين اللغة العالية المشحونة بالرموز واللغة اليومية التي تقترب من الحس الشعبي”.
وأضاف: ان “هذا التعدد اللغوي الذي نلمس وجوده في أغلب نتاجات شوقي، يعكس رغبة الكاتب في التعبير عن أفق إنساني شامل، لكنه يخلق أحياناً فجوة في التلقي، فاللهجات العامية، ولغات الهامش، وحتى لغة الشارع، يمكن أن تكون وسائط مشروعة للإبداع والفكر، تماما كما هي اللغة الفصحى أو الكلاسيكية”.
وأضاف: أن “اللغة المحكية عند شوقي ليست فقط لغة يومية، بل تتحول أحيانا إلى رموز وشفرة باطنية، فالكلمات الشعبية التي يستخدمها تُحمَّل بدلالات تتجاوز معناها المباشر، فتغدو مثل الأوراد أو الأذكار التي تتفتح على المعنى الصوفي الروحي، وهو بمغامرته تلك يعيد إحياء لغة الهامش لتكون وسيلة كشفٍ وارتقاء، لا مجرد أداة للتعبير الواقعي. فاستخدامه للغة المحكية خيار جمالي وفكري واعٍ؛ يمنح نصوصه صدقاً وتجذراً في الواقع العراقي، ويجعلها أكثر التصاقا بروح الناس”.
وأوضح، ان “الطابع التجريبي يظهر في تفكيك السرد، فالرواية لا تُروى كقصة ذات بداية ونهاية، بل كسلسلة شظايا وأصوات، اللغة ذاتها تتحول إلى ميدان للتجريب من شعرية عالية نجدها تتقاطع مع المحكية اليومية، وينفتح النص على الفلسفي والصوفي في الوقت نفسه، مما يجعله نصاً هجيناً لا ينتمي إلى جنس واحد، وهذه هي الحداثة بعينها، هي الخروج على المألوف الروتيني الحائطي، فالطابع التجريبي يجيء كعلامة على رغبة الكاتب في تجديد الأدب وكسر رتابته وتراتبيته، لكنه في الوقت نفسه يضع تحدياً أمام القارئ، إذ يجعل النص أكثر كثافة وغموضاً، وأقل مباشرة”.
وواصل: “وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل شخصيات “سيبندية” تبدو ظلالاً أكثر من كونها كيانات متكاملة؛ فهي محمولة على فكرة أو رمز وبذلك تتحول الرواية إلى فضاء أسطوري أو ملحمي، حيث الفرد ليس سوى تعبير عن مأساة جمعية، مأساة عشناها جميعنا وقد نجح بعضنا بالتعبير عنها مثلما فعل شوقي، وفشل غيرهم. وقد أنماز نص شوقي “سيبندية” بأنه طرح معضلة الوجود الإنساني في عالم يميل إلى العبث والفقدان. فالشخصيات تتحرك في فضاء فراغي، حيث الموت والخراب يطبعان التجربة وهذا البعد الوجودي يجعل الرواية قريبة من أطروحات كيركغارد وكامو وسارتر.
وأشار الى ان “قوة فتكمن في لغتها المشحونة ورمزيتها الكثيفة، وضعفها في تشتت البناء السردي، وغياب الحبكة التقليدية. ومع ذلك، فإنها تقدم نموذجاً مهماً للأدب العراقي المعاصر الذي يرفض أن يكون مجرد انعكاس للواقع، بل يحوله إلى تجربة وجودية وروحية شاملة، هكذا برأيي يمكن قراءة “سيبندية” بوصفها نصاً مركباً، فهو أدبي من حيث اللغة والأسلوب، فلسفي من حيث الأسئلة الوجودية، وصوفي من حيث نزوعها إلى المطلق، وهذا التشظي هو ما يجعلها إضافة لافتة في المشهد السردي العراقي والعربي المعاصر”.
وختم بالقول، ان “الرواية عمل أدبي عميق ومتعدد الطبقات، يجمع بين السرد التأريخي والنفسي والرمزي، وهي ليست مجرد رواية عن حقبة سياسية، بل هي غوص في أعماق الإنسان العراقي والعربي في لحظة تحول وجودي، فالنص في كمال مضمونه وبعده الوجودي، طرح أسئلة جوهرية عن الذاكرة والخيانة والهوية والسلطة”.



