أردوغان ونتنياهو.. القدس لمن؟

بقلم: حسني محلي..
عندما كان زعماء الدول العربية والإسلامية يتسابقون فيما بينهم، للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على الدوحة، كانت القوات الإسرائيلية تتوغل في الوقت نفسه داخل قطاع غزة براً، مع قصف عنيف يؤدي يومياً إلى مقتل ما لا يقل عن مئة فلسطيني.
ومن دون أن يكون ذلك كافياً لتحريك وجدان وضمير الزعماء العرب والمسلمين الذين “استنكروا وبشدة”، ولكن بشيء من الخجل والخوف، جرائم الكيان الصهيوني الذي لم ولا ولن يتردد في استهداف أي من الدول العربية والإسلامية، حتى إن كان زعماؤها من الموالين له أو المتحالفين معه، سراً كان أم علناً.
ومن دون أن ينسى نتنياهو أن يشكر الرئيس ترامب لاعترافه في 6 كانون الأول 2017 بالقدس عاصمة تأريخية ودينية لدولة “إسرائيل” وليهود العالم، ثم قراره بنقل سفارته من “تل أبيب” إليها. وهو ما استنكره الرئيس أردوغان آنذاك بصفته رئيس منظمة التعاون الإسلامي، فدعا إلى قمة عاجلة في إسطنبول، ولكن لم يحضرها إلا العدد القليل من الزعماء؛ بسبب خلافات أنقرة آنذاك مع القاهرة والعديد من عواصم الخليج.
وربما لهذا السبب أراد نتنياهو أن يعيد إلى الأذهان خلافاته مع الرئيس أردوغان فذكره بالاسم دون أي زعيم آخر، وقال له: “إن القدس مدينتنا يا أردوغان وليست مدينتك، وستبقى موحدة عاصمة لدولة إسرائيل وإلى الأبد”.
وجاء الرد التركي على كلام نتنياهو على لسان الرئيس أردوغان نفسه، الذي عاد وهدّد نتنياهو وشبّهه بهتلر مذكّراً إيّاه بحماية الدولة العثمانية للقدس، وقال: “إننا لن نسمح لك ولأمثالك أن تدنسوا طهارة وكرامة القدس الشريف” .
بدوره، قال زعيم حزب الحركة القومية دولت باخشالي وهو حليف أردوغان: “القدس قضية قومية استراتيجية بالنسبة إلى تركيا”، وأكّد، “ضرورة الرد الحازم على استفزازات نتنياهو”، وقال: “إن سقوط القدس وسيطرة إسرائيل عليها بالكامل، سيؤديان حتماً إلى سقوط أنقرة، وأن الاستفزاز والتصعيد الإسرائيليين باتا يشكلان تهديداً خطيراً على المنطقة برمتها”.
أما زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزكور أوزال فدعا أردوغان إلى “الكفّ عن التصريحات النارية غير الجادة”، وناشده لـ”اتخاذ مواقف عملية ضد إسرائيل بما في ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية المستمرة معها، وإغلاق الأنابيب التي تنقل النفط الأذربيجاني إلى ميناء جيهان التركي ومنه إلى حيفا”.
واتهم أوزال الرئيس أردوغان “بعقد صفقات سرية مع الرئيس ترامب وعلى حساب غزة”، وقال: “إن نجل الرئيس ترامب جونيور ترامب جاء إسطنبول السبت (13 أيلول) والتقى أردوغان سراً، وبحث وإيّاه العديد من المواضيع المهمة بما فيها الوضع في غزة وسوريا والتوقيع على صفقات تجارية ضخمة”، وأضاف مخاطباً أردوغان: “إذا كنت جاداً في حديثك عن التضامن مع غزة فتعال نذهب جميعاً إلى هناك، ونتحدى نتنياهو وترامب ومن معهما. وسأستقبلك شخصياً في مطار أنقرة لدى عودتك إلى تركيا لأحييك إذا تجرأت خلال لقائك الرئيس ترامب في البيت الأبيض ووصفت نتنياهو بأنه مجرم وقاتل، ويرتكب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني”.
أوساط المعارضة عموماً تتهم الرئيس أردوغان بعدم المصداقية خلال حديثه عن غزة وفلسطين والقدس، وتذكّره بالزيارة التي قام بها إلى “إسرائيل” عندما كان رئيساً للوزراء في 2 أيار 2005 حيث لم يعترض على حديث شارون الذي قال له آنذاك وأمام الكاميرات: “أهلاً بك في القدس عاصمة دولة إسرائيل الأبدية والتأريخية”.
كما التقى أردوغان، وفي جو ودّي، نتنياهو في 20 أيلول 2023 في نيويورك، واتفقا على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وكادت أن تبدأ عملياً زيارة نتنياهو إلى تركيا لولا أحداث “طوفان الأقصى” وسبقتها زيارة الرئيس الإسرائيلي رتسوغ إلى أنقرة في آذار 2022.
لم تمنع كل هذه المعطيات والمعلومات بما فيها التوتر بين أردوغان وشمعون بيريز في دافوس في 29 كانون الثاني 2009 ثم الهجوم الإسرائيلي في 31 أيار 2010 على سفينة مرمرة المتوجهة إلى غزة، الرئيس ترامب من العمل على تحقيق المصالحة الاستراتيجية بين الحليفين تركيا و”إسرائيل” مع استمرار الحديث عن اتفاق سوري – إسرائيلي وشيك برعاية أمريكية وعلم الرئيس أردوغان، وحسب تصريحات سابقة للرئيس ترامب.
ودفعت هذه التطورات السريعة أردوغان، وهو اللاعب الرئيس في سوريا، إلى إرسال رئيس مخابراته إبراهيم كالين فجأة إلى دمشق (الاربعاء 17 أيلول) ليلتقي الشرع الذي يتعرض لضغوط إقليمية ودولية متضاربة، وتتوقع له أن يوقع على اتفاقية الاستسلام (ليس السلام) مع الكيان الصهيوني مقابل رفع العقوبات وضمان الدعم الأمريكي بعد السماح له بالمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومع الأسف، تخلت معظم الشعوب العربية والإسلامية، وباتت تئن جميعاً تحت وطأة استبداد الأنظمة العميلة التي تآمرت ومازالت ليس فقط على شعوبها بل على كل الشرفاء والمخلصين والأوفياء من شعوب الدول الأخرى الذين صمدوا وناضلوا وضحوا بالغالي والنفيس من أجل فلسطين وقدسها الشريف الذي ينادي بل يصرخ وبصوت عالٍ وحزين، “يا معتصماه إلى متى ستبقى آذانك صمّاء وقلبك من حجر”.



