الإمام الرضا (ع) والتكليف الرسمي للمناصب العليا

القاضي سالم روضان الموسوي..
تعيش الامة الإسلامية وأتباع أهل البيت (ع) هذه الأيام المباركة ذكرى ولادة أنيس النفوس الامام الرضا(ع)، وفي أي ذكرى لأي رمز وطني، ديني او لأي فئة كانت، ليس الغاية منها ان نحتفل وتنتهي الذكرى بانتهاء مراسمها، وانما لابد من التفكر فيها والاعتبار منها، بأخذ العبرة عن فحوى الذكرى وصاحبها، ونجعلها مناراً نهتدي به في حياتنا اليومية.
وبمناسبة ذكرى الولادة الميمونة للإمام الرضا (ع)، لابد من الوقوف عند تقبله منصباً مهما وكبيراً في الدولة العباسية، والمتمثل بولاية العهد للمأمون العباسي ، وهو وجميع الناس في تلك الفترة يعلمون مدى فساد الدولة العباسية وخلفائها الذين تمادوا كثيرا بالبطش والتفرد والديكتاتورية، حتى كانت من اهم أسباب سقوطها على يد المغول.
لذلك لابد أن نفهم لماذا قبل الامام (ع) هذا المنصب الوظيفي الدنيوي، وهو يملك مقعدا في السماء مع الأنبياء والشهداء والصديقين، فضلاً عن تربعه على عرش قلوب المؤمنين، وخلال البحث في هذا الموضوع الذي فصله كتاب السير والمؤرخين، لابد أن نعتبر منها، وان ننبه من يمارس المنصب الوظيفي في وقتنا الحاضر وفي بلدنا، الذي لم يرَ الاستقرار منذ ان تشكل بعنوان دولة اسمها العراق، فهو من انقلاب الى انقلاب ومن حرب الى حرب ، ومن ديكتاتورية فردية الى ديكتاتورية جماعية وفردية في نفس الوقت، فتجد شخصاً ما بعنوان المركز القانوني والدستوري يتربع على عرش المؤسسة الدستورية ويجعلها من إقطاعياته، وموظفيها من رعاياه هو وليس من رعايا الدولة.
لكن نجد ان بعض الأشخاص ممن يُعرف عنهم التقوى والنزاهة يتقبلون العمل مع هذه الشخصيات التي تماثل الخلفاء العباسيين من الطغاة والفاسدين، وبعضهم مجبر بحكم القانون الوظيفي الذي ينظم اعمال خدمته واستمراره فيها، ولهؤلاء من اهل التقوى أوجه الخطاب، بأن يعتبروا من تجربة إمامنا الرضا (ع) فهو عندما قبل هذا المنصب لم يبعده عن اهله ومحيطه وفقراء بلده واتباع الخط المحمدي، بل كان يظهر للناس بمظهر لائق بمنصبه كولي للعهد، ولكنه في باطنه كان يعيش حياة الزهد والتقشف، ويلبس الخشن من الثياب تواضعاً لله عز وجل.
وفي الروايات الصحيحة والمثبتة عن هذه الواقعة التأريخية، أن الإمام (ع) كان يلبس الخز للناس والقز لنفسه، فعندما رآه سفيان الثوري وعليه ثوب خز غالِ الثمن، أنكر عليه ذلك، فرد عليه الإمام (ع) (يا سفيان، الخز للخلق، والقز للحق”. ثم أدخل الإمام يده في كمه وأخرج مسحاً خشناً كان يلبسه تحت ثوبه الخز)، وكان الهدف هو توظيف المنصب لنشر وبيان الحقائق للناس، وكشف زيف الطغاة والفاسدين، وأنها كانت مشروطة، ثم أعلن عن رفضها عندما لم يلتزم المأمون بهذه الشروط، فأعلن رفضها.
ومن هذه الواقعة لابد للمتقي الذي اُجبر على العمل مع الجائر من أصحاب المناصب ان يكون قلبه مع العامة من الشعب وسلوكه قريباً منهم، لا ان يتكبر ويتجبر عليهم، وان يبتعد عن أسباب الفساد، ومن اخطر هذه الأسباب، تلك العطايا والمنح التي يغلفها الفاسدون بالشرعية القانونية، وهي في أصلها غلول ، والغلول كما عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية (بأنه أخذ شيء من الغنيمة قبل قسمة الإمام، ويلحق به ما يؤخـذ عـن طريق الخيانة من بيت المال، ومن غلة الأوقاف، ومال اليتامى، ونحو ذلك) ويعد حراماً لا حلة فيه اطلاقاً، وهو من كبائر الذنوب والعصيان، وهذا ما قرره الرسول الاكرم (ص) في الحديث النبوي الشريف (هدايا الامراء غلول) فالإسلام حرم الاستيلاء على الأموال العامة سواءٌ كان ذلك الغلول من الغنيمة أو غلولاً من المال العام، وهي السرقة من المال العام، ولا يستثنى أي احد من الذين طالتهم هدايا الامراء، ومعنى الامراء هم من يتولى الوظائف العامة الحاكمة في الدولة، وفي أي مفصل من مفاصل السلطة.
وفي الختام لابد من الاعتبار من الذكرى، ولا نقف عند المراسم في الاستذكار، وبعد الاعتبار من هذه الذكرى العبقة.. أقول السلام على أنيس النفوس وشمس الشموس الإمام الرضا (ع) وأن يعتبر به وبمسيرته الوضاءة كل معتبرٍ تقي.