أردوغان والمهمة الأخيرة

نزار الحبيب
مع تزايد تسارع الأحداث في المنطقة، يبدو أن العالم العربي مقبل على تغيّرات جذرية ستعيد تشكيل المشهد السياسي الذي عرفناه لعقود في هذا السياق، يمكن اعتبار تركيا وأردوغان في صلب هذه التحولات، حيث يبدو أن الدور الذي لعبته أنقرة في الإقليم على مدى السنوات الماضية قد وصل إلى نقطة انعطاف حاسمة.
شهدت الأزمة السورية أدوارًا متشابكة ومخططات معقدة، وكان لأردوغان نصيب كبير في هذه اللعبة. الدخول التركي في الملف السوري لم يكن فقط مدفوعًا بمصالح استراتيجية أو أمنية، بل كان أيضًا جزءًا من مشروع أيديولوجي مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، التي طالما مثلت أداة سياسية إقليمية تجاوزت حدود الجغرافيا التركية.
لكن ما حدث لاحقًا يُشبه فخًا محكمًا: تحولت سوريا إلى مستنقع سياسي وعسكري أُنهِكت فيه تركيا، وأصبح بشار الأسد “الطُعم” الذي سُحب من خلاله أردوغان إلى قلب الأزمة. هذه التضحية، التي تمت بوعي أو بدون وعي، قد تكون بداية نهاية مشروع الإخوان المسلمين الذي امتد لأكثر من 80 عامًا، وشهد نجاحات وإخفاقات في محاولته التأثير على شكل الحكم في العالم العربي.
في السعودية والخليج، يبدو أن التيارات السلفية التي كانت تشكل جزءًا كبيرًا من الهوية الدينية والسياسية في المنطقة قد اقتربت من فقدان تأثيرها. فمع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تقودها السعودية، وحملات تفكيك الأيديولوجيات المتطرفة، أصبح واضحًا أن المشروع السلفي يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية.
إلى جانب ذلك، يطرح السؤال الأكبر: هل يستمر حكم العائلات الحاكمة كما عهدناه؟ هناك مؤشرات على أن الأنظمة الخليجية تتحول نحو نماذج حكم أكثر انفتاحًا على التحولات الاجتماعية والاقتصادية، ما قد يعيد صياغة العقد الاجتماعي بين الشعوب والحكام.
فيما يتعلق بالأكراد، تبدو الصورة ضبابية، على الرغم من التضحيات والنضال الطويل من أجل الحصول على كيان سياسي مستقل، فإن الحسابات الإقليمية والدولية لا تشير إلى إمكانية تحقيق هذا الحلم في المستقبل القريب. الدول الكبرى، التي طالما استخدمت القضية الكردية كورقة ضغط سياسية، لم تُظهر أي نية حقيقية لدعم مشروع استقلال الأكراد.
في الجانب الآخر من المعادلة، تبرز إيران كلاعب إقليمي وازن بفضل تطورها التكنولوجي في مجال التصنيع العسكري. بعد أن نجحت في تطوير صواريخ دقيقة متقدمة، أصبحت لديها قوة ردع تقلب حسابات القوى الإقليمية والدولية.
لكن ما يثير الاهتمام أكثر هو الحديث عن تطور إيران في مجال الأسلحة غير التقليدية، لا سيما سلاح البلازما الحراري، الذي يمثل قفزة نوعية في تسليحها.
هذا التطور لا يُعد فقط تعزيزًا لقوتها العسكرية، بل انقلابًا استراتيجيًا في ميزان القوى في المنطقة إيران، التي طالما استخدمت أدواتها التقليدية وغير التقليدية للضغط الإقليمي، باتت اليوم تمتلك أوراقًا جديدة قد تُعيد تشكيل قواعد الصراع والتوازنات في الشرق الأوسط.
ما نشهده اليوم ليس مجرد تغيرات عشوائية، بل هو إعادة تشكيل للنظام الإقليمي والدولي بما يتناسب مع تحولات في التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة. التحالفات التي بدت ثابتة لعقود تتغير، والقوى الكبرى تعيد توزيع أوراقها في المنطقة.
ما يحدث اليوم يمكن وصفه بأنه إعادة ضبط للعالم العربي بعد فترة طويلة من الركود والجمود، هذه ليست قراءة عشوائية، بل استنادًا إلى تحليلات عميقة واستشراف لمستقبل يبدو مليئًا بالتغيرات التي لا مفر منها.
إن أردوغان، الإخوان، السلفية، الأكراد، ايران، جميعهم في قلب هذه الديناميكية المتغيرة، وكل طرف منهم قد يضطر لإعادة النظر في مكانته ودوره وسط هذه التحولات. الزمن القادم سيحمل الكثير، ومن يدرك قواعد اللعبة الجديدة سيكون قادرًا على الاستمرار.