السياسة الأخلاقية ترتقي بالدول والشعوب

هناك من الساسة غير مخلصين لسمعتهم ولا مهتمين بمستقبلهم السياسي، لأنهم يعلنون في مناسبة ومن دونها أن السياسة لا علاقة لها بالأخلاق، وهؤلاء ينفون بشكل تام كل القيم الجيدة في مضمار السياسة، ويتفقون مع ذلك السياسي الغربي الذي قال ذات يوم (ليست هناك صداقات دائمة بين الدول وإنما هناك مصالح دائمة)، وكأنهم يريدون القول بأن السياسة لا يحكمها أي نوع ولا أي مستوى من مستويات الأخلاق.
لكن هذا الرأي ليس سديدا بالمطلق، فالسياسة الناجحة يجب أن تحتفظ بالقيم السديدة، وأن تقوم على قواعد منصفة، وركائز تحترم حقوق الآخر، ولا تعني السياسة مطلقا أن ينجح هذا السياسي أو ذاك على حساب الآخرين من دون وجه حق، ولا يجوز أن يُقال عن هذا الحاكم بأنه ناجح وجيد لأنه يضرب مصالح الدول الأخرى ويحمي مصالح دولته.
ولدينا مثال تاريخي وديني وإنساني يبيّن لنا كيف ارتقت الاخلاق والثوابت بالسياسة، وكيف ارتفعت بها إلى مستويات عالية في الإنسانية والقيم السامية، هذا المثال نجده في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله، حاكم أعظم دولة في السجل الإسلامي والإنساني أيضا، وقد أدارها قائدها الأعظم بالأخلاق أولا وبناها بالقيم السليمة الراقية، ومن خلال هذه السياسة انتشر الدين في أصقاع الأرض وحتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من المشكلات الكبيرة التي تعصف بواقع الدول الإسلامية، يبقى الإسلام وديمومته وتوسعه قائما على السبب الأهم، وهو الأخلاق التي تداخلت مع السياسة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، فقد زرع هذا القائد السياسي المحنك أساليبه السياسية التي سمحت للأخلاق أن ترافق السياسي في حلّه وترحاله.
المؤاخاة بين الأخلاق وسلطة الحكم وقد قدم الرسول الأكرم نموذجا خالدا في قضية المؤاخاة بين الأخلاق وإدارة السلطة والدولة والعلاقات مع الدول الأخرى، وثبت بما لا يبقل الشك، أن المنهج السياسي القائم على ثوابت وقيم أخلاقية راسخة، يعد أفضل الأنظمة السياسية، وأن الحاكم الذي يراعي الأخلاقيات في علاقاته وفي مصالح دولته هو الذي يسودُ على غيره من الحكام.
ومن الأمثلة الحية التي أظهرت إنسانية الحاكم، وأثبتت بأنه يعتمد العفو في أشد المواقف خطورة، ذلك الموقف الذي تعامل فيه الرسول الأكرم مع الذين خانوا الإسلام وقائد المسلمين، حيث عفا عن الخائنين (في الحرب)، مع أنهم تنكروا لأوامره وبارحوا أماكنهم وهم في ساحة المعركة، ومع ذلك لم يتعرضوا لأي نوع من العقاب.
كما أن القائد الإسلامي النموذج والأسوة لم يعاقب أحدا من المسلمين، فيما تعامل مع الجميع حتى غير المسلمين بما يحفظ حقوقهم وكرامتهم وينصفهم ويحمي مصالحهم، وهنا تظهر الأخلاق جنبا إلى جنب في إدارة شؤون الدولة وعلاقاتها سواء كانت في حالة حرب أو سلم.
فالأخلاق يجب أن تكون حاضرة في جميع القرارات التي تتخذها الحكومات، والعدالة والإنصاف بين الناس، هو المعيار الذي يمنحها شرعية الحكم، وهذا كله يبدأ من شخص الحاكم الأول أو الأعلى، فهو النموذج الذي يسير خلفه الجميع.
من المؤسف حقا أن تصل الأمور بواقع الدول الإسلامية إلى ما هي عليه الآن، فهو واقع مليء بالمشكلات والأزمات، وكل هذا يجري بسبب الحكام والحكومات، (لأن الناس على دين ملوكهم)، فإذا كان الحاكم ذا سياسة أخلاقية تقوم على الثوابت، وتأخذ قراراتها من صلب المبادئ السامية لأهل البيت عليهم السلام، ومن تجربة الحكومتين الخالدتين للرسول الأكرم والإمام علي (صلوات الله عليهما)، فإنه سوف ينجح في تحقيق أهدافه حتما.
وأخيرا فإن الحاكم الذي يحكم الناس بالأخلاق، والذي يقيم علاقاته مع الدول الأخرى بمعيار أخلاقي منصف، فإنه سوف يحقق أهدافه الجيدة، وسوف يجد من شعبه وأمته كل الدعم والتأييد، كما سوف ينجح في بناء سياسات أخلاقية مع الدول الأخرى، ويثبت بأن السياسة يمكن جدا أن تتناغم وتتعاون مع الأخلاق، وكذلك علاقات الحاكم بشعبه يجب أن تستند إلى الأخلاقيات التي تمسك بها قائد المسلمين الأعظم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.