اخر الأخباراوراق المراقب

ولادات شعبان.. هل نستلهم الدروس أم نكتفي بالاحتفال؟

أوراس ستار هادي..

في دورة الزمن، هناك أشهر تمرُّ كالعابرين في الطرقات، وأخرى تبقى شاهدة على نور لا يخبو، من بين هذه الأشهر، يتلألأ شعبان بضيائه السماوي، حيث تتجلّى فيه ومضات الولادة المباركة، مولد رجالٍ لم يكونوا مجرد أسماء في صفحات التأريخ، بل كانوا مشاعل أضاءت الدروب المعتمة، وشهداء على أن العظمة ليست مجرد فكرة، بل هي موقف ورسالة.

هنا، في هذا الشهر المبارك، ولد الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، شهيد المبادئ ورمز الثورة الخالدة، وولد الإمام العباس بن علي (عليه السلام)، تجسيد الوفاء والإيثار، وولد الإمام زين العابدين (عليه السلام)، مدرسة الصبر والدعاء، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء الأئمة العظام مجرد شخصيات تأريخية نحفظ سيرتهم، أم أن لنا في حياتهم بصمة يجب أن تترك أثرًا في واقعنا اليوم، حيث يعيش العالم أزمات متلاحقة في القيم والمبادئ؟.

الإمام الحسين (عليه السلام).. ثورة تمتد عبر الأزمان

حين ولد الإمام الحسين (عليه السلام)، لم يكن مجرد طفل في بيت النبوة، بل كان أملاً جديدًا للعالم. حمله النبي محمد (صلى الله عليه وآل وسلم) بين ذراعيه، وقبّله بحبٍ لم يكن عاديًا، وكأنه كان يرى فيه المستقبل، يرى الدم الذي سيروي شجرة العدل، يرى التضحية التي ستنقذ رسالة الإسلام من التحريف والطمس.

واليوم، في عالمنا الذي تعصف به التحديات، هل نستلهم من الإمام الحسين (عليه السلام) معنى الوقوف بوجه الظلم؟ هل نتحلى بالشجاعة لمواجهة الباطل، أم أننا نستسلم للظروف ونغضّ الطرف عن الحق خوفًا من العواقب؟.

الإمام العباس (عليه السلام).. راية الوفاء التي لا تسقط

الإمام العباس (عليه السلام)، ذلك الفارس الذي لم يكن مجرد أخ للإمام الحسين (عليه السلام)، بل كان ظله، قلبه النابض، ودرعه الحامي. لم يكن العباس رجلًا يبحث عن النصر لنفسه، بل كان يبحث عن النصر لأخيه، عن الوفاء لقضيته، عن التضحية لأجل الآخرين.

في زمننا، أين نحن من الإيثار والوفاء؟ كم مرة نرى من يضحّي بمبادئه لأجل مصالحه؟ وكم نرى من يبيع إخلاصه من أجل مكاسب زائلة؟ لو كان العباس بيننا اليوم، هل كان سيرى فينا امتدادًا لرايته، أم أنه كان سيبحث عن أبطالٍ آخرين يحملون راية الوفاء في زمن الماديات؟.

الإمام زين العابدين (عليه السلام).. الصبر والدعاء سلاح الناجين

بعد أن خمدت نيران كربلاء، وبعد أن تلاشى صليل السيوف، بقي الإمام زين العابدين (عليه السلام) وحيدًا، مقيدًا، لكنه لم يكن أسيرًا. كانت قوته في كلماته، في دعائه، في رسالته التي نقلت مبادئ الثورة من السيف إلى اللسان، ومن الدماء إلى القلوب.

في عالمنا اليوم، حيث أصبح التسرع والانفعال سيد الموقف، وحيث الناس تبتعد عن التأمل في المعاني العميقة للحياة، هل يمكننا أن نتعلم من الامام زين العابدين (عليه السلام) فن الصبر؟ هل يمكننا أن نجد في أدعيته مخرجًا من أزماتنا النفسية والاجتماعية، بدلاً من الغرق في دوامة القلق والتوتر؟.

بين الماضي والحاضر.. هل نستجيب للنداء؟

إنَّ شهر شعبان ليس مجرد صفحة في التقويم، بل هو مرآة تعكس لنا أنفسنا، لنرى إن كنا نسير في طريق الحق أم أننا نسينا الدروس العظيمة التي خطّها الأئمة بدمائهم وصبرهم.

نحن اليوم، في عامنا، نعيش في عالمٍ يموج بالأزمات، حيث تتداخل المفاهيم، وتضيع المبادئ بين المصالح والتجاذبات السياسية والاجتماعية. لكن رغم كل شيء، لا يزال صوت الإمام الحسين (عليه السلام) يدوّي في ضمائر الأحرار، ولا تزال راية الإمام العباس (عليه السلام) ترفرف في وجدان الأوفياء، ولا تزال أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) تنبض بالحياة في قلوب الباحثين عن الطمأنينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى