اخر الأخباراوراق المراقب

الإنسان بين شهوات النفس والعقل السليم

من المفارقات العجيبة لحياة الإنسان أنها تقدم المرّ والحلو في آن واحد للجميع، ولكن المقياس الكوني لهذه الثنائية المتناقضة (الحلو و المرّ)، يجعل معطياتها متعاكسة، فيكون الحلو في الدنيا مرًّا في الآخرة، ويكون المرّ في الدنيا حلوًا في الآخرة، كيف نفسر هذا التناقض الدنيوي الأخروي، ولماذا يقع تبادل الأدوار بهذه الصورة التبادلية التامة؟

بمعنى كيف يتحول الحلو في الدنيا إلى مرّ في الآخرة؟، وكيف نفسر هذا الأمر، هل هناك من أمثلة على هذا التوصيف؟، إن الشيء الحلو أو اللذيذ في الدنيا يقع في دائرة الشهوات غالبا، والشهوات هي الميدان الذي تتحرك فيه نفس الإنسان، وتسحبه إلى الرداءة والبذاءة والرذيلة في آن واحد، فكل شيء ينتمي إلى الشهوة تنتج عنه لذة وحلاوة، لذلك يتحول كل شيء ينعكس عن شهوة الإنسان إلى فعل لذيذ لكنه خاطئ.

مثلا سرقة الأموال والحصول على مبالغ ضخمة يحدث نتيجة شهوة حب المال، وبالتالي يشعر الإنسان بلذة هائلة عندما يحصل على أموال طائلة، ولكن النتيجة أن هذه الحلاوة سوف تتحول في الآخرة إلى مرارة العلقم وأكثر.

من هنا يجب أن يحترس الناس جيد ويفهموا هذه القاعدة ونتائجها كما يوضحها حديث أمير المؤمنين عليه السلام، ويشرحها لنا، ويؤكد فيها بأن اللذيذ في الدنيا مر في الآخرة إذا كان يدور في مدار الشهوات والأعمال الخارجة عن أحكام المشروع والمقبول حكما ودينًا.

كما أن هذا الشعور مرتبط بالنفس والجسد، فالحلو يمكن أن تعيشه النفس ويمكن أن يتمتع به الجسد، هذا شيء يعيشه الإنسان ويشعر به، ولذلك يصبح محل اختبار وامتحان، لأن حلو الدنيا قد يقود الإنسان نحو الخطيئة، وبالتالي هناك حساب على ذلك في الآخرة، أما إذا بقي الإنسان صامدا بعيدا عن حلاوة المحرّمات، فإنه حتما سوف يكون بعيدا أيضا عن مرارة يوم الحساب التي لا يمكن لأحد أن يتخلص منها إلا بالعمل الصالح الصحيح.

في مقابل ثنائية الحلو المرّ، خلق الله تعالى ثنائية العقل و النفس، فالأول مركز الفضيلة والعمل الصالح والحكمة والتوازن والعدل والرحمة، والثاني النفس بؤرة الأعمال المحرّمة، حيث تدفع بصاحبها نحو الشر، وتجعله ألعوبة بيد الشهوات، فتجعله يلتذ بحلاوة الدنيا، لكنه لا تحره مما ينتظره من مرارات في يوم الحساب.

لهذا يجب ان يتنبّه كل إنسان تتاح له فرصا كبيرة للحصول على اللذة والأموال الحرام وظلم الناس والحصول على مراكز ومناصب كبيرة تسمح بالاختلاس والسرقة والتجاوز على حقوق الناس، هنا ستكون هناك فرص كبيرة للإنسان كي يقع في مرارة الآخرة، لكنه سوف يتمتع بحلاوة الدنيا، لهذا على المسؤول والثري وكل إنسان متمكن أن يحذر من شهواته.

وعلى كل إنسان أن يوازن بدقة في قضية البحث عن اللذة في الدنيا، نعم هناك لذائذ مسموح بها كونها تقع في إطار الأحكام الشريعة التي تسمح بها، نعم هذي لذيذة لكنها ليست محرّمة فهي متاحة للإنسان، لكن المشكلة تتعلق باللذة غير المشروعة، هنا يجب على المسؤول وكل الناس أن يحذروا منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى