شاب يحول القوارير إلى حكايات مصغرة

بخطوات هادئة تخرج من قلب ذي قار، يشق محمد الناصري، المولود عام 2001، طريقه بين عالمين مختلفين تماماً، عالم الكهرباء الذي درسه، وعالم الفن الذي اختاره قلبه. هذا الشاب استطاع أن يخلق دهشة فريدة عبر موهبته في صناعة المجسّمات داخل القوارير الزجاجية، بدقّة تُشبه الخيال.
ويستعيد محمد بداياته قائلاً “: “بدأت رحلتي مع هذا الفن عام 2019 بعد أن شاهدت فناناً أجنبيا يصنع نماذج مذهلة داخل قوارير على يوتيوب، فشعرت أن هذا التحدي لي”.
لم يكن لديه ورشة كبيرة أو استوديو خاص، بل زاوية صغيرة في “البيتونة” فوق منزله، ينتظر حلول الليل لينعم بالهدوء بعيداً عن ضوضاء النهار وحرارته، ويبدأ التشكيل بتركيز وصبر استثنائي.
أول أعماله كان سُلَّماً خشبياً داخل قارورة ضيقة، تكررت محاولات الفشل، لكنه لم يتراجع، وبعد نجاحه، اندهش المتابعون من كيفية إدخال هذا السلم الدقيق عبر فوهة صغيرة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات.
اندفاعه نحو التحدي قاده إلى تنفيذ كرسي خشبي داخل قارورة أكثر ضيقاً، وهو عمل استغرق منه قرابة عشرين يوماً، ومع كل عمل جديد كان يكبر الطموح، ليضع هدفه اليوم في الوصول إلى العالمية.
هذا النوع من الإبداع يُعرف بـ”فن زجاجات الصبر” أو “الفن المستحيل”، وله جذور قديمة بين عمال المناجم في أوروبا الذين كانوا يقضون أوقاتهم في صنع نماذج داخل زجاجات كرمز للعزيمة والإبداع.
محمد الناصري، اليوم، يعيد إحياء هذا الفن بروح عراقية، محولاً القوارير إلى عوالم صغيرة تسكنها الحكايات، وتثير الدهشة في كل من يراها.



