اخر الأخبارثقافية

” حكايات أبي الرطبة ” أسئلة كبرى عن العلاقة بين ذاكرة الوالد والواقع اليومي

المراقب العراقي/ المحرر الثقافي…

يرى الناقد عبد الكريم حمزة عباس أن الرواية القصيرة جدا والتي تحمل عنوان ” حكايات أبي الرطبة ” للكاتب هادي المياح هي عمل يتجاوز حجمه الصغير ليطرح أسئلة كبرى عن العلاقة بين ذاكرة الوالد والواقع اليومي، وبين الماضي والحاضر، بين الجفاف والرطوبة.

وقال عباس في قراءة نقدية خص بها ” المراقب العراقي “: إن” هادي المياح يقدّم في نصه “حكايات أبي الرطبة” عملاً سرديًا متفردًا يصنفه الكاتب تحت مسمّى “رواية قصيرة جدًا” حيث يبدأ النص بمفتتح شعري:ص.9″متعب أنا يا أبي. ورأسي يكاد يجف.. أحتاج إلى حكاية من حكاياتك الرطبة” منذ هذه الجملة، يُدخلنا المؤلف في عوالم تتأرجح بين الذاكرة والخيال، بين عطش الصحراء ورطوبة الحكاية، في موازنة بين الواقع والأسطورة”.

وأضاف : إن”النص يقوم على تتابع حكائي قصير مكثف، يعتمد على حوار داخلي وخارجي، حيث يوجّه الابن خطابه للأب واعتمد هادي المياح على أسلوب اللمحة السريعة، أو ما يشبه ومضة الحكاية، حيث تتدفق الأحداث دون إسهاب أو وصف مطوّل بل عبر ومضات مكثفة ويتداخل الزمن الواقعي (زمن الابن الباحث عن الحكاية) مع زمن أسطوري/حلمي (زمن الأب وحكاياته)، هذه الجدلية الزمنية تخلق حالة من السيولة السردية تمنح النص عمقًا يتجاوز حجمه”.

وتابع : إن” الصحراء حاضرة بقوة، بوصفها رمزًا للقحط والجفاف، في مقابل “الرطوبة” التي تمنحها الحكايات، المكان هنا ليس خلفية محايدة بل بُعد دلالي يعكس العلاقة بين الحياة والموت، الخصوبة والجفاف واللغة هنا مشحونة بالصور الشعرية والاستعارات (“رأسي يكاد يجف”، “حكاياتك الرطبة”)، ما يجعل النص أقرب إلى السرد التعبيري منه إلى السرد الواقعي المباشر ويمكن ملاحظة  وجود جمل قصيرة متلاحقة تُكسب السرد إيقاعًا متسارعًا، يعكس حالة القلق والتعب التي يعيشها الابن”.

وأوضح أن “الرطوبة” تتحول إلى رمز للخصب والذاكرة والحياة، بينما “الجفاف” رمز للتِيه والخذلان”.

وبيَّنَ أن” الأب شخصية رمزية، ليست فردًا محددًا بل مفهوم الأب/الحكيم/الذاكرة الجمعية. الأب هنا هو حامل الحكايات ومانح الرطوبة (الحياة) والعمل يطرح سؤال العلاقة بين الأجيال: كيف يمكن للابن أن يحيا دون إرث حكائي؟ وكيف يغدو الماضي (الأب) خزانًا للحياة؟ فالابن (الراوي): يمثل الجيل الجديد المتعب، الباحث عن سندٍ من الماضي ليستعيد اتزانه. إنه كائن هش، مهدد بالجفاف والنسيان”.

وواصل: إن” الذئب يظهر في الرواية ككائن يترصد الابن أو يهدد هدوء الحكاية، فيحمل معنى الخوف الكامن أو الخطر الداهم،إنه الوجه الآخر للصحراء القاحلة: حاضرٌ دائمًا، ولو في الظل، كأن الراوي يريد أن يقول إن حياة الابن محاصرة بتهديد دائم وفي بعض المقاطع، يبدو الذئب أقرب إلى انعكاس نفسي للابن المتعب، أي رمزًا لـ”ذئب داخلي” ينهش روحه ويضاعف قلقه،هنا يتحول الذئب إلى صورة للاغتراب والتمزق الداخلي، لا مجرد عدو خارجي وفي المخيال الشعبي العراقي والعربي، الذئب يحمل دلالات مزدوجة: فهو رمز الغدر والافتراس، لكنه أيضًا رمز الحيلة والقوة، استدعاء الكاتب له بكثرة يكشف عن رغبته في تغذية نصه بالتراث الرمزي، وجعل الحكاية حاضنة لذاكرة جمعية يتوارثها الابن عن الأب”.

وأشار الى أن “الرواية تقوم على ثنائية الجفاف/الرطوبة. وحين ندخل الذئب في المعادلة، نجده يمثل القسوة، الفتك، واليابس في مقابل الأب/الحكاية/الرطوبة التي تمنح الأمان والخصب،الذئب إذن ليس مجرد كائن، بل علامة دلالية تكمل التضاد المركزي في النص الذي يقوم على اقتصاد اللغة، تكثيف الصورة، والاعتماد على الرمز،هذه العناصر تمنحه قوة شعرية عالية، وتجعله أقرب إلى “النص الهجين” الذي يجاور القصة القصيرة جدًا والرواية القصيرة جدًا والسرد الشعري”.

وأكمل :”يمكن القول إن “حكايات أبي الرطبة” عمل يتجاوز حجمه الصغير ليطرح أسئلة كبرى عن العلاقة بين الذاكرة والواقع، بين الماضي والحاضر، بين الجفاف والرطوبة وفي النهاية، يظل العمل إضافة مهمة إلى تجارب السرد العراقي المعاصر، وجرأة في استثمار الأشكال القصصية الجديدة ذات النزوع التجريبي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى