اخر الأخباراوراق المراقب

الحسن العسكري (ع).. أستاذ العلماء وقدوة العابدين

لقد كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، أستاذ العلماء وزعيم المعارضة السياسية والعقائدية في عصره، وكان يشار إليه بالبنان، وتهفو إليه النفوس بالحبّ والولاء، كما كانت تهفو إلى أبيه وجدّه اللذين عُرف كل منهما بابن الرضا (عليهما السلام)، كل هذا، رغم معاداة السلطة لأهل البيت (عليهم السلام) وملاحقتها لهم ولشيعتهم.

وقد فرضت السلطة العباسيّة، الإقامة الجبرية على الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) وأجبرته على الحضور يومين من كل أسبوع في دار الخلافة العباسية.

وقد وُصِفَ حُضور الناس يوم ركوبه إلى دار الخلافة، بأن الشارع كان يغصّ بالدوابّ والبغال والحمير، بحيث لا يكون لأحد موضع مشي، ولا يستطيع أحد أن يدخل بينهم، فإذا جاء الإمام هدأت الأصوات وتوسّد له الطريق حين دخوله وحين خروجه.

لقد كان جادّاً في العبادة طيلة حياته ولا سيّما حين كان في السجن حيث وكل به رجلان من الأشرار، فاستطاع أن يحدث تغييراً أساسياً في سلوكهما وصارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم، وكان إذا نظر إليهما ارتعدت فرائصهما وداخلهما ما لا يملكان.

وقد لاحقت السلطة العباسية الإمام العسكري (عليه السلام) وأحاطته بالرقابة وأحصت عليه كلّ تحرّكاته لتشلّ نشاطه العلمي والسياسي وتحول بينه وبين ممارسة دوره القيادي في أوساط الأمة.

ومن هنا كان الإمام مهتمّاً كآبائه (عليهم السلام) بالعمل السرّي غاية الاهتمام، إضافة إلى إحكامه لجهاز الوكلاء، ليكون قادراً على أداء دوره القيادي بشكل تام وفي ظل تلك الظروف العصيبة حتى استطاع أن يقضي على محاولات الإبادة لِنهج أهل البيت (عليهم السلام) .

لقد خاض الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كآبائه الكرام (عليهم السلام)، ملحمة الكفاح السياسي لمواجهة الظلم والإرهاب والتلاعب بالسلطة ومقدرات الأمة ومصالحها، فحافظ على أصول الشريعة والقيم الرسالية، ومهّد بذلك خير تمهيد لعصر الغيبة الذي أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) عن حتميّته وضرورته.

وقد زخرت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في عصر الإمام العسكري بالعلم والدعوة إلى خطّ أهل البيت والدفاع عن الشريعة الإسلامية من خلال كوكبة أصحاب الإمام ورواة حديثه وطلاّب مدرسته.

وكان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ـ على الرغم من حراجة ظروفه السياسية ـ جادّاً في الدفاع عن الشريعة ومحاربة البدع وهداية المترددين والشاكّين وجذبهم إلى ساحة الدين.

وعاصر الإمام (عليه السلام) مدة إمامته القصيرة جدّاً، كلاً من المعتز والمهتدي والمعتمد العباسي، ولاقى منهم أشدّ العنت والتضييق والملاحقة والإرهاب، كما تعرّض للاعتقال مرّات عدة.

وازداد غيض المعتمد من إجماع الأمة على تعظيم الإمام (عليه السلام) وتبجيله وتقديمه بالفضل على جميع العلويين والعباسيين في الوقت الذي كان المعتمد خليفةً، غير مرغوب فيه لدى الأمة فأجمع رأيه على الفتك بالإمام واغتياله، فدسّ له السمّ وقضى نحبه صابراً شهيداً محتسباً، وعمره دون الثلاثين عاماً، فسلام عليه يوم ولد، ويوم جاهد في سبيل رسالة ربّه، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيّاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى