“سادن المحرقة”.. مجتمع صهيوني عسكري تنخره العنصرية

يمكن القول إن رواية “سادن المحرقة” للروائي والباحث والأسير الفلسطيني باسم خندقجي، الصادرة حديثاً عن “دار الآداب” في بيروت الفائزة بـ”الجائزة العالمية للرواية العربية” (المعروفة بـ”البوكر”) العام الماضي تُشكِّل أسئلة الهوية والانتماء للأرض.
ويُكمل خندقجي في هذه الرواية رحلة البحث في معنى الهويَّة، بين أن تكون انتماءً إلى أرض الأجداد، أو أن تكون مجرَّد بطاقة تُعرِّف بحاملها وتُعطي لوجوده مشروعيَّةً فوق الأرض التي يعيش عليها. فبعد أن عثر نور الشهدي على هويَّة المستوطن الإسرائيلي، أور شابيرا، في جيب معطفٍ اشتراه من محلٍّ للملابس المستعملة، في رواية “قناع بلون السماء”، واستخدمها بهدف “إدراك حقوقكَ التي اخترعتَها فوق هذه الأرض”، و”التحرُّك في البلاد التي سلبتمونا إياها”، كما يتوجَّه نور لأور في حوارٍ داخلي مع الآخر الذي تقمَّصه “كي لا يصير مثله”، و”كي يتحرَّر منه”، بحسب ما يقول، يَعبُر باسم خندقجي إلى الجانب الآخر ليجعل من أور شابيرا الشخصيَّة الرئيسة والراوي في روايته الجديدة، ويجعل مِن العثور على مَن استخدم هويَّته وانتحل شخصيَّته هاجسه، بعد أن كشفت له الأمر أيالا شرعابي، الباحثة الآثاريَّة التي كانت تُنقِّب في موقعٍ قريبٍ من حيث يسكن في القدس المحتلَّة، والتي عملت مع أور الزائف في موقع تل مجدُّو الأثري شمالي فلسطين في الجزء الأول، لتُشكِّل بذلك صلة وصلٍ بين الروايتَيْن.
لا يتوقَّف تشريح خندقجي للمجتمع الصهيوني عند حدود الحروب وتداعياتها على من يشاركون فيها أو يشهدونها، وهم كل الصهاينة بما أنَّهم بمثابة جنود احتياط، يحقُّ لهم حمل السلاح عندما يرون حاجة إلى ذلك، بل يمتدُّ ذلك إلى الحياة الاجتماعية المدنيَّة بين هذه الحروب، إذ يُضيء على ما يتضمَّنه هذا المجتمع من أمراضٍ وتعقيدات، تتخطَّى ما يوجد في مجتمعاتٍ “طبيعيَّة” إلى أُخرى خاصَّة بهذا المجتمع “المصطنع”؛ فالتمييز فيه لا يقتصر على الآخر العربي المختلف على أساسٍ ديني وقوميّ، بل يشمل التمييز العِرقي بين اليهود أنفسهم.