اخر الأخباراوراق المراقب

العناية الإلهية في شهر رمضان

من الأمور المثبتة شرعيا، أن كل مؤمن يدخل في شهر رمضان المبارك، يجعله الله تعالى من أهل الكرامة، ومما هو مثبت أيضا أن هذه الكرامة الإلهية لا تقتصر على الصائمين وحدهم، وإنما يحصل عليها أولئك الذين لا يمكنهم الصوم لوجود عذر شرعي يمنعهم من الصوم كالسفر والمرض وسواهما، فالجميع لهم حصتهم من هذه الرحمة التي تبدأ تباشيرها مع بداية شهر رمضان المبارك.

لذا حريٌ بكل إنسان أن يستثمر هذه المزايا والمكتسبات الكبيرة، لاسيما على صعيد بناء النفس معنويا وذاتيا، حيث يكون في حالة من الاستقرار النفسي والسمو والتوازن الذي يجعله من الشخصيات الإيجابية الفعالة في نشاطه الاجتماعي والعملي (أي في محيط العمل)، بل وحتى في المحيط الأسري، في نطاق العائلة، وهكذا مطلوب منّا جميعا الفوز بهذه الكرامة الإلهية التي يُخصِّصُها تعالى لمن يستحقها بالفعل.

وعندما يتم شمول الجميع بهذه الكرامة، فإن الحكمة الإلهية تعتمد ما يقدمه الإنسان في هذا الشهر من أعمال، وكذلك يتم الاستناد إلى درجة التزامه، وما هي قيمة هذه الدرجة، لأنها كلما قلَّت فإنه يكون أقل شمولا من غيره، حيث يوجد أناس ملتزمون بشكل يكاد يكون كاملا بالنشاطات العبادية المختلفة، وتأدية الفرائض، في حين هناك من يكون على النقيض من ذلك.

في هذه الحالة لا يمكن المساواة بين الطرفين، حيث إن الحكمة الإلهية لابد أن تُنصِف من يستحق الدرجة الأعلى من سواه، فهناك من هو نموذج للالتزام، والمداومة على الصيام وعلى مراقبة النفس، ومتابعتها، وقيادتها نحو الصلاح وليس العكس، أي أنه لا يسمح لنفسه أن تقوده نحو المحرمات، فهذا الأمر يتعارض كليًّا مع أجواء هذا الشهر الكريم.

شموليّة الكرامة الإلهية

نعم شهر رمضان المبارك يتّسم بشمولية الكرامة الإلهية، ولكن لابد أن تكون هناك فوارق في الدرجات، وهذا ما ينبغي أن يحث الناس على التمسك بدرجة التزام أعلى، خصوصا ما يتعلق بمكافحة رغبات النفس التي تأخذ صاحبها في متاهات لا جدوى منها.

ومن القضايا المهمة التي يجب أن يتنبّه عليها الإنسان، عدم تضييع فرصة المغفرة الإلهية في هذا الشهر المبارك، فمع وجود الكرامة الإلهية هنالك أيضا مغفرة يحصل عليها الصائم حينما يستحقها، وهذا الاستحقاق يتطلب التزاما بما يفرضه شهر رمضان الكريم من متطلبات، وهي في غاية السهولة والوضوح.

ما هو المطلوب من الإنسان الصائم، إنها متطلبات واضحة ومفهومة للجميع، وهي بالمجمل أن يكون الإنسان ذا عمل صالح ومؤثر في الآخرين، في المجتمع، في المحيط العملي، في الأصدقاء، وفي أفراد العائلة، وإذا كانت هذه القيم وسواها مطلوبة من البشر في كل حين، إلا أن مكانة هذا الشهر عند الله تعالى، تُلزم الإنسان بأن يكون ذا توجّه عبادي إيماني خالص لوجه الله تعالى، كي يكون نموذجا لغيره من الناس.

أمّا من لا يهتم لهذا الشهر، فإنه سوف يضيّع فرص الكرامة والمغفرة الإلهية، ويكون هو الخاسر في جميع الأحوال، فيطاله الشقاء الشديد، وهكذا فإن خسائره ستكون كبيرة جدا مثل شقائه الكبير أيضا.

التغيير الحتمي نحو الإصلاح

إنَّ هدف التغيير يجب أن يكون حاضرا في موازاة طلب الكرامة والمغفرة الإلهية، فمثلما يريد الغفران، ويطلب الكرامة، عليه في نفس الوقت أن يعمل بقوة على تغيير نفسه من السلبي إلى الإيجابي، والانتقال من الظلام إلى النور، ومن الانحراف إلى الهداية.

في هذا الشهر الكريم، ومن الساعات الأولى، بمعنى أن مَنْ يوم الصيام الأول، لابد للإنسان أن يراقب قضية التغيير في نفسه وشخصيته وقناعاته وتفكيره وسلوكه، وكل شيء يشمله التغيير في الشخصية يجب أن يكون تحت المراقبة، حتى يعرف الصائم هل تغيّرت شخصيته وقناعاته بالفعل وهل تكون النتائج مفيدة وذات جدوى له، والخلاصة عليه أن يميز درجة التغيير وهل بلغ المستوى الأفضل والجيد أم لا؟

النتيجة التي لا يمكن الإخلال بها، هي أن الله تعالى وهو الذي يعرف ما في أعماق الإنسان، وما يخفيه ويبطنه من نوايا وتوجهات، سوف يعطي هذا الإنسان الصائم أو ذاك بمقدار ما يستحقه، لهذا فمن يتقرّب بنيّة صادقة وتوجّه خالص سوف يحصل على ما يريده.

وهذا ما يجب أن يتوقعه الصائم الصادق، لأنه من باب أولى أن يتوقع المؤمن بأن الله تعالى سوف يهبه ويمنحه الرحمة والكرامة والمغفرة التي يستحقها، وطالما أن العناية الإلهية تشمل الجميع في هذا الشهر الكريم، فإن الإنسان الأكثر تمسكا والتزاما هو الأكثر مكانة وكرامة وفوزا.

إنه شهر الغفران، وشهر الطاعات، وهو الشهر الذي يمكن للإنسان أن ينال فيه الكرامة الإلهية، بالإضافة إلى المغفرة والتوفيق والصلاح، وهي محصلات ممكنة جدا إذا أصرَّ الإنسان الصائم على بلوغ ما يريده وما يخطط له من أهداف عبادية، تجعله من أوائل الفائزين بالمغفرة والرحمة والكرامة الإلهية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى